النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والاصلاح البرلمانية

النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والاصلاح البرلمانية

خنساء فلسطين

نذرت نفسي وكل ما أملك لله
بيتي شهد صناعة أول صاروخ قسام ، وسأطلق النار من رشاشي إذا اقتحمه الجنود


بخطىً واثقة ثابتة تستقبلك مريم فرحات "أم نضال" التي يطلق عليها الفلسطينيون "خنساء فلسطين" بعد استشهاد ثلاثة من أبنائها الستة، أهي امرأة عادية ؟ ترحب بزائرها رغم المصيبة التي حلت عليها وكأن قصف بيتها وبيوت أبنائها لا علاقة له بها... تبتسم كعادتها الابتسامة التي ظهرت فيها للعالم يوم ودعت نجلها الفتى محمد فرحات الذي امتشق سلاحه وقتل سبعة من جنود الاحتلال داخل مستوطنة عتسمونا الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة خان يونس. لا تقم وزناً للحياة الدنيا، فقد نذرت نفسها وأولادها كلهم لله، لأن ما عند الله خير وأبقى، وماذا يبغي المرء من الدنيا ؟ تتساءل ؟ وتجيبك بنفس الصابر وبروح الواثق من نصر الله، تبتغي طاعة الله ونيل رضاه، فلا يهم العمل عندها المهم أن يقبله الله (عز وجل)، هكذا هي تفكر، وبهذا هي تحلم.

توقعتها تبكي عندما اتصلت بها لأبحث لي وسط همها الجديد عن ساعة حوار مع هذه المرأة، توقعت أن تتعذر بقصف بيتها وتشتيتها مع أبنائها وعائلاتهم، وهو عذر مقبول عندي، لكنها رحبت بصوت قوي وبكلمات إيمانية لها وقع في النفس أقوى من إيقاع أصوات المقرئين المشهورين، كيف لا وهي تستقبلك بصوتها الرائع وبكلمات قوية، ولا تهتز لما أصابها فهي قد احتسبته كما أولادها في سبيل الله.

تبدأ اللقاء بتقديم شكر للبحث عنها، والواجب أن نقدم الشكر لها قبل أن تبدأنا به لسماحها باللقاء وهي ما زالت في غمرة حزنها على زوال بيتها الذي طوبة طوبة (حجر حجر) على مدار خمسةٍ وثلاثين عاماً متواصلة لتدمره طائرة حربية من طراز (اف16) ليتحول أثرا بعد عين أمامهم، لتبدأ رحلة تسرد وشتات هي وأولادها الثلاثة.

تتحدث أم نضال عن أهداف الاحتلال من القصف المتواصل، ولا تحب أن تخصص الحديث عن نفسها أو منزلها " طبعاً، إسرائيل لن تتخلى عن سياساتها الإرهابية وممارستها القمعية في كل الوطن الفلسطيني المحتل " وهي تستخدم كل الوسائل والأدوات الحربية فتقصف من الجو والبحر والبر وتقتل الناس وتدمر مساكنهم من أجل ثنينا عن مواقفنا وثوابتنا التي نتمترس خلفها، تريد إسرائيل أن تركعنا بكل الوسائل والأساليب، لإخضاعنا لاملاءاتها المجحفة ولفرض إرادتها علينا، لكن هيهات منا الذلة وهيهات منا الانكسار والتسليم لإسرائيل، فعزيمتنا لا تلين وصبرنا لا ينتهي وإرادتنا لا تنكسر مهما اشتد البطش والعدوان. لكن شتان تقول خنساء فلسطين بين ما نريد وبين ما تريد إسرائيل؛ فنحن (الفلسطينيين) نريد رضى الله، وهم يريدون رضى أنفسهم، وهنا الفرق بين من تتجلى في جوفه قوة الإيمان والإرادة وبين من يسعى للدنيا.

وتشدد أم نضال البالغة من العمر (56) عاماً، وهي نائبة في المجلس التشريعي عن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على أنها نذرت نفسها وأولادها جميعها وأحفادها لله، وتقول:" أنا لست أماً لثلاثة شهداء فقط، بل أكرمني الله باستشهاد ثلاثة من أبنائي " وتتمنى أن يتقبل الله منها ومن أولادها الشهداء والأحياء عملهم وتقول والدموع تفر من عينيها وبصرها إلى السماء " أسأل الله قبول العمل، أسأله أن يكون خالصاً لوجهه".

وكان جيش الاحتلال دمر بيتها المكون من ثلاث طبقات ومنزل أبناء ابنها الشهيد نضال فجر يوم الأربعاء في الحادي عشر من هذا الشهر قبل أسبوع لتشتت العائلة بعد أن التئم شمل من تبقى منهم بخروج ابنها رواد من سجون الاحتلال بعد أن أمضى فيها احد عشر سنة قبل عام واحد فقط. وتقول: لقد دمر الاحتلال بطائراته بيتنا بعد أن انتهينا قبل شهرين فقط من الانتهاء من تسديد آخر الأقساط عليه للمقاول، كذلك دمر منزل ابني نضال الذي تركه لأرملته وأولاده الملاصق لبيتنا.


أن تجلس مع امرأة صابرة وأنت أمامها تغبطها على قوة صبرها ورباطة جأشها تحرك في المقابل لها المشاعر وتكاد أن تبكي وأنت تسمع من امرأة كلمات يعجز عن الإتيان بها في موقفها الرجال، تبتسم المرأة بعد دمع (تسميه دمع المؤمن الواثق المحب) وبدل تبكي بعد أن تعطيك تفاصيل بيتها الممتد على مساحة مائتي متر مربع والمكون من ثلاث طبقات، تبتسم وتقول " والله كنت مستكثرة البيت علينا " فنحن مثلنا مثل الناس وأقل منهم " أنا بدأت أتحسس نفسي وإيماني كيف أعيش منعمة في بيتي الذي شيدناه بعرق الجبين على مدار أعوام طويلة بينما أرى الآلاف من أهلي لا يملكون قوت يومهم. فلو ملء الأرض بيوت لي لنذرتها لله عز وجل، فماذا ستفعل البيوت أمام رضى الله.

أم نضال والمعروفة كذلك بأم محمد يقر أنها تأثرت وزعلت على تدمير بيتها "وعلت على ذكرياتنا في البيت" فأغلب شباب كتائب الشهيد عز الدين القسام أوت إليه ، واستشهد فيه قائد القسام وواحد من أهم مؤسسي الجناح المسلح لحركة حماس الشهيد عماد عقل الذي استشهد داخل بيتها في (24-11-1993) في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال . وتتذكر أم نضال عماد عقل (قائد القسام في قطاع غزة) وتبكي هنا على هذا الرجل الصادق المؤمن المخلص (ولا أزكي على الله احد تقول) وتقول قلت لعماد البيت والأولاد وزوجي وأنا فداك.






وقدمت المرأة ثلاثة من أبنائها شهداء خلال انتفاضة الأقصى الحالية ونذرت أبناءها الثلاثة الآخرون لله، وقد استشهد أولهم محمد في السابع من مارس 2002، في عملية فدائية داخل مستوطنة عتسمونا وقتل فيها سبعة من جنود الاحتلال، وقد جاءت في غمرة التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وقد ظهرت أم نضال في شريط فيديو وهي تودع نجلها محمد وتسلمه سلاح الرشاش قبل أن يخرج لموعده في مشهد هز الأعماق وزلزل إسرائيل التي وضعتها على قائمة المطلوبين، فيما استشهد ابنها البكر نضال في السادس عشر من فبراير 2003، في انفجار "مشرك" عندما انفجرت طائرة شراعية كان يعدها مع مجموعة من مقاتلي القسام في غزة، بينما استشهد ابنها الثالث رواد في الرابع والعشرين من سبتمبر 2005 في قصف جوي وهو ينقل بسيارته صواريخ قسام في غزة...




وتقطع أم نضال الكلام عن أبنائها وتؤكد أنها نذرتهم لله وأنهم قبلوا نذر أمهم، فتقول: أنا أرفض أن يكون ولد من أولادي الثلاثة في البيت وبقية الشباب على الجبهة، وتكشف أنها ودعت كل أبنائها الستة وهم في طريقهم إلى تنفيذ عمليات وعادوا كلهم بعد تنفيذ عملياتهم بنجاح سوى محمد فيما الآخران ودعتهم وداعاً عادياً غير وداع العمليات المختلف كما تقول عن أي وداع.

ولا تخشى أم نضال عواقب ما أقدمت عليه هي وأبنائها " فلو بدنا نخاف ما أقدمنا على أي عمل جهادي، ولقبلنا بأن نحيا حياةً عادية مثل كثير من الناس " لكن لا أقبل حياة الراحة وفلسطين محتلة من أشرار.

وتقول إنها تنتظر خبر زفاف أي من أبنائها الثلاثة في أية لحظة فهم مثل من سبقهم، وتضيف " أنا مهيأة نفسي كل لحظة للخبر". لكن خنساء فلسطين تؤكد هناك مشاعر آلام وتنتقل بك من القوة والثبات إلى المشاعر الجياشة عن حب أبنائها لها وعن تفجر مشاعرها عندما ترى أي من أحفادها الستة أبناء بكرها الشهيد نضال " لا أستطيع أن أكتم مشاعر آلام " وبالذات مع أبنائي الذين هم من أبر الأبناء بأمهم، صحيح كل شيء يهون وكل غال ونفيس يهون في سبيل الله، وصحيح أنني أتمالك أعصابي أمام الناس لكن يعلم الله كم أتألم كل يوم عندما أرى أبناء نضال يلعبون أمامي، أموت من الألم، أبكي إلى حد تكاد تجف الدموع من عيوني على أبنائي، لكن هذا ليس بكاء الجازع اليأس، هذا بكاء المؤمن الصابر المحتسب المحب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه (إن العين لتدمع وان القلب ليحزن وان على فراقك لمحزنون يا إبراهيم).

وتفتخر أم نضال أن بيتها شهد ولادة صواريخ القسام، فأول صاروخ صنع في بيتي، وبيتي قد تحول يوماً ما إلى مصنع لشباب القسام يصنعون فيه الصواريخ والعبوات الناسفة، وأنا كنت أحمد الله على اختيار الشباب لبيتي ليكون كذلك، لكنها تنفي بشدة أن يكون في بيتها وبيت نجلها أي مخزن سلاح يوم قصفه، وتقول " السلاح الموجود؛ سلاح أبنائي الشخصي فقط" لكن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع.



وتعيش أم نضال بعد تدمير قوات الاحتلال بيتها وبيت نجلها متنقلة عند في بيوت بناتها، فيما ذهبت زوجات أبنائي عند أهلهن إلى حين إيجاد منزل كبير يجمعنا من جديد.

ولا تخشى مريم فرحات على نفسها من الموت على أيدي الاحتلال، فهذه أمنيتي " لو تعلم كم أتمناها " فمن يكره الشهادة في سبيل الله، وتكرر " الموت ليس جزعاً بل فرحاً للقاء الله عز وجل".

وتقول أم نضال النائب في المجلس التشريعي التي تضع الرشاش (ام16) الخاص بابنها الشهيد محمد جنبها الذي قدمه لها الشيخ الشهيد صلاح شحادة القائد العام لكتائب القسام قبل ثلاث سنوات، أثناء الحوار وتؤكد أنها لن تتوانى عن إطلاق النار على جنود الاحتلال في حال اجتاحوا قطاع غزة - كما يهددون هذه الأيام - وتقول:"إذا ما اقتحم الجنود علينا البيت لن أدعهم يدخلوه، سأطلق عليهم النار من هذا السلاح الرشاش" فالقضية قضية مبدأ؛ وان استشهد الجميع من أجل المبدأ لا تسقط القضية ولا تنتهي بل على العكس كما ترى أم نضال (مريم فرحات النائب في المجلس التشريعي).